سؤال طالما أثير.. ولم يجد عند كثير من الناس جواباً مقنعاً..
أنُحِبُّ الأطفالَ لأَنّنا نجد فيهم ذاتنا، وذكرَياتِ طفولتنا، التي فقدناها، ولا نزال نحنّ إليها مع الأيّام.؟
أمْ لأَنّنا نجد فيهم براءة الفطرةِ وصفاءها، التي تميل النفوس إليها، وتسعد برؤيتِها، متجسّدة بصورة من الحياة اللطيفة الجميلة.؟
أمْ لأَنّنا نجد فيهم وعندَهم ما لا نجده عند الكبار، من العفويّة الشفّافة، وكريم الأخلاق، وجميل السجايا والخلال.؟
أمْ لأَنّنا نجد فيهم القرب من أرواحنا، بصدْق العاطفة، وبَراءة السلوك، ولو شابه الشغْب، وفرْط النشاط والحركة.؟
أمْ لأَنّنا نجد فيهم امتداداً لأنفسنا، وزيادة في أعمارنا إذا كانوا أطفالنا وأحفادنا، أو من يلوذُ بنا.؟
أمْ أَنّنا نجد فيهم إقبال الحياة الغضّة، وربّما نجد في أنفسنا إدبارها وأفولها.؟!
أمْ لأَنّنا نجد فيهم صفاتٍ نحبّها من أعماق قلوبنا، كما نجد فيهم حاجة الإنسانيّة إلى الحبّ والرحمَة، والرفق والرأفة.؟
أمْ لأَنّنا نجد فيهم بسمة الحياة الإنسانيّة المزدهرة، التي لا تشوبها شوائب الزيف والخداع.؟!
أمْ لأَنّنا نجد فيهم هذه الأسبابَ كلّها، وغيرَها ممّا قد لا يخطر لنا على بال، وربّما قد تبدي لنا بعضه الأيّام.؟
والحقّ أنّ البشر لا يكادون يجمعون على شيء، على إختلاف ألوانهم وأجناسهم، كما يجمعون على محبّة الأطفال.! وتلك ظاهرة إنسانيّة عامّة، لها دلالتها المعبّرة.. ومن شذّ عنها فإنّما يدلّل على فساد فطرته، وإنتكاس إنسانيّته..
ومهما يكن السبب فإنّ الحبّ نعمة إلهيّة كبرى على الإنسان، تدعوه إلى الشفقة والرحمة، والرفق والخدمة، وبذل قصارى الجهد في الرعاية، إذ الإنسان أطول المخلوقات فترة حضانة ورعاية..
وما أصدق هذه المشاعر، التي فاضت بها براعة شاعر، رصد بها عن الطفولة ألطف المعاني، وأرقّها وأعذبها:
تودُّ النجومُ الزهرُ لو أنّها دمى *** ليختار منها المبهجات ويلعبا
وعندي كنوز من حنانٍ ورحمةٍ *** نعيميَ أن يغرى بهنّ وينهبا
يجور وبعض الجور حلو محبّب *** ولم أرَ لولا الطفلُ جوراً محبّبا
ويغضب أحياناً ويرضى وحسبنا *** من الصفو أن يرضى علينا ويغضبا
وإن ناله سقمٌ تمنّيت أنّني *** فداء له كنت السقيم المعذّبا
يزفّ لنا الأعياد عيداً إذا خطا *** وعيداً إذا ناغى وعيداً إذا حبا
وألثم في داجٍ من الخطب ثغره *** فأقطف منه كوكباً ثمّ كوكبا
وياربّ من أجل الطفولة وحدها *** أفض بركات السلم شرقاً ومغربا
وصن ضحكة الأطفال ياربّ إنّها *** إذاغرّدت في موحش الرمل أعشبا
وياربّ حبّب كلّ طفلٍ فلا يَرى *** وإن لجّ في الإعناتِ وجهاً مُقطّبا
وهيّئ له في كلّ قلبٍ صبابةً *** وفي كلّ لقيا مرحباً ثمّ مرحبا
الكاتب: د. عبد المجيد البيانوني .
المصدر: موقع المسلم.